المنتدى الاسلامى المنوع ((محاضرات فرق الحقوق الاربعة بالسادات))
اهلا وسهلا بك زائرنا الكريم فى منتدانا الجميل
ونتمنى منك السجيل فى مندانا الغالى حتى تتمتع بصلاحيات الاعضاء
وشكرررررررررررررا
الادارة
المنتدى الاسلامى المنوع ((محاضرات فرق الحقوق الاربعة بالسادات))
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الاسلامى المنوع ((محاضرات فرق الحقوق الاربعة بالسادات))

المنتدى الاسلامى المنوع ((محاضرات فرق الحقوق الاربعة بالسادات))
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Cool Red Outer
Glow Pointer

 

 بحث فى تاريخ القانون (منقول)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الزعيم
Admin
الزعيم


عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 15/07/2010

بحث فى تاريخ القانون (منقول) Empty
مُساهمةموضوع: بحث فى تاريخ القانون (منقول)   بحث فى تاريخ القانون (منقول) Icon_minitime1الإثنين يوليو 19, 2010 4:23 am

لنراجع تاريخ القانون
دعوة لإعادة النظر في بعض الموضوعات
مقدمة
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ومن سار على نهجه
بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فلا أحب للإنسان من أن يرى جموعا من البشر
ينقادون إلى العلم حبا ورغبة، ويتخذون من المنهج العلمي سبيلا ود يدنا،
يذودون عن الحق مدافعين، ويقفون عند الخطأ معترفين، يبحثون عن الحقيقة، لا
يثنيهم عن ذلك ما كانوا عليه من هوى متحكم ولا عزة هوجاء قولتهم: حيث كان
الحق والحق نكون .
ولعله من أولويات المنهج العلمي القويم القدرة على
نقد الذات، والاعتراف بالخطأ، فالفكر الإنساني _ باعتباره ثمرة العقل _ لا
يتمتع بعصمة النصوص الإلهية إلا بمقدار ما يتضمنه من حقائق، وليس لأحد حق
وضع نص بشري المنشأ موضع القداسة مهما شرف قدر واضعه . فالبشر بحكم
طبيعتهم يحكمون على الأشياء بما يتفق وذاتية تفكيرهم، ولكون الأفكار
تتباين فالأحكام _ تبعا لذلك _ تتناقض أو لا تلتقي حول مسار واحد . وينبغي
أن يكون غاية ما يقوله الإنسان قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ
يحتمل الصواب . ولقد ذهب أبو حنيفة النعمان _ رحمه الله - ابعد من ذلك
حينما سئل عن مسألة اجتهد فيها :" أهذا الرأي الذي ارتأيته، هو الحق الذي
لا باطل معه ؟ فقال: لعله الباطل الذي لا حق معه . " فينبغي أن نقوم
أنفسنا، وأن نعترف بالخطأ في مواضع الخطأ، ولا ضير من الرجوع إلى الحق .
ومن
سمات المنهج العلمي أن نحترم رأي الآخرين، ونناقشه بالحجة، وان نلتمس له
المعاذير إن كان له مندوحة من نقل أو عقل بصرف النظر عن مصدر القول،
وينبغي الوقوف بشدة وحزم أمام ذلك التيار الذي لا يقبل الحق لأنه حق، ولكن
يقبله باعتبار مصدره فإن قال القول من يحترمه ويجله أو يدافع عنه أو يخشى
بطشه قبله، وإذا جاء القول ممن يخالفه أو يبغضه أو يزدريه تكلف تأويله أو
إضعافه أو الانتقاص من قيمته . وتلك آفة يمجها التفكير السليم، ولا يقبلها
المنهج العلمي القويم.
إن العقل يدعو إلى وجوب الاستفادة من كل تراث
إنساني تكّون نتيجة التواصل الحضاري، والحضارة ارث إنساني مشترك، ولكن
ينبغي مراعاة مقتضيات الحضارة وأهوائها. فمع مقتضيات الحضارة ينبغي أن
تتفتح العقول .. ومع أهواء الحضارة يجب أن تنفطم النفوس . فالهوى يحتاج
إلى فطام النفس، والمقتضى يستدعي انفتاح العقل . والفكر الإنساني فكر
تراكمي، يضيف المتأخرون إليه ما اكتسبوه دون الوقوف عند الموروث عن
السابقين، وفي هذا المعنى نقل عن ابن عبد البر: " ليس من شيء اضر على
العلم من قولهم: ما ترك الأول للآخر ؟ بل الصواب هو القول: كم ترك الأول
للآخر؟ وليس اضر على .العلم والفكر من مقولة شاعت وجمدت بها العقول، وحالت
دون وثبات الفكر من قولهم: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، ولقد روى عن
ابن مالك قوله: " إذا كانت العلوم منحا إلاهية، ومواهب اختصاصية، فغير
مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين".
ولقد شد
انتباهي أن بعض العلوم التي تدرس في كليات القانون بالدول العربية
والإسلامية ومن ذلك تاريخ القانون، تنافي في بعض مواضيعها فكر الأمة
وثقافتها السائدة، وتغرس في النشء أفكارا علمانية غريبة وإلحادا مارقا
بواحا، ولقد رأيت أن مرد ذلك إلى أمرين:
أولاهما: الترجمة الحرفية
لمناهج ومفردات الدول الغربية التي نقل عنها بعض الكتاب العرب في نهاية
القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين دون تمحيص وكأنهم ينقلون نصوصا
مقدسة لا يجانبها الصواب .
والآخر: غلبة النـزعة المادية، والرغبة في
ربط العلوم كافة بالأفكار العلمانية، والبعد عن التفسير الروحي لبعض
الظواهر الاجتماعية . وإغفال البواعث التي كانت وراء النـزعة العلمانية
عند كتاب الغرب.
ولقد ترتب على هذا المنهج في التأليف والنقل أن وجدت
جوانب من تاريخ القانون لا تستقيم مع فكر الأمة وثقافتها من جهة، ومن جهة
أخرى، أغفل الباحثون جانبا هاما وأساسيا في تاريخ قانون الدول الإسلامية
وهو إقصاء الشريعة وإحلال القوانين الوضعية محلها على ما لهذا الموضوع من
أهمية بالغة. الأمر الذي يجعل هذا العلم لا يعكس بحق تاريخ القانون في هذه
الدول، فالطالب العربي في دراسته لتاريخ القانون إنما يدرس تاريخ القانون
في الدول الغربية ومن وجهة نظر غربية .
وهذا البحث إنما هو دعوة
لإعادة صياغة علم تاريخ القانون بما يتفق مع فكر الأمة وعقيدتها، وبيان
كيف ابتعدت عن شرعها. وللدلالة على صحة وصدق هذه الدعوة سأحاول في مطلبين
إبراز مثالين أولهما: يجسد مخالفة بعض موضوعات هذا العلم لفكر الأمة،
والآخر يبين كيف انسلخت الأمة عن شرعها . ولقد أردته دعوة لأساتذة القانون
ممن يعنون بأمر هذه المادة إلى إعادة النظر فيها، وتمحيصها، لعله يستبين
لهم الحق ويظهر الصواب، وربما تجد من يعيرها بعض اهتمامه فيوأزرها بالنظر
والمداد، وربما تتحول إلى صرخة في واد، إن ذهبت مع الريح اليوم، فقد تذهب
يوما بالأوتاد .
المطلب الأول
نماذج من الموضوعات المنافية لفكر الأمة وثقافتها
لا
شك أن حصر جميع الموضوعات ذات العلاقة بفكر الأمة وثقافتها وعقيدتها أمر
شاق، ولا تستدعيه هذه الدراسة التي تستهدف إثارة الفكرة دون الخوض في
تفاصيلها، ولذلك سيقتصر الحديث على بعض الجوانب بالقدر الذي يكفل تبيان
الأساس الذي يقوم عليه البحث.
أولا: نشأة القانون:
إن الحديث عن
نشأة القانون ينبغي أن يكون مبنيا على المعرفة الصادقة الموثقة لتاريخ
الإنسان واصله، وعلى الأدوار التي مرّ بها منذ وجد على الأرض . ومن الواضح
أن هناك جوانب كثيرة من هذه المعرفة متعذرة أحيانا، وعسيرة المنال في
أحيان أخرى . فاصل نشأة البشرية - لمن لا يؤمن بالكتب المنزلة - يكاد يكون
مجهولا، أو مبنيا على خرافات لا تستقيم مع العقل، وبحوث هؤلاء تقوم على
فرضيات تخمينية ونظريات عقلية وما ترأى لهم من أثار الماضي السحيق، رغم أن
تلك الآثار لا تكشف بذاتها عن الحقيقة. فالعلماء والباحثون .لم يجدوا
أثارا مدونة عن الماضي، بل يؤكدون أن الكتابة لم تبدأ إلاّ منذ ستة أو
سبعة آلاف سنة بالنسبة لشعوب البحر الأبيض المتوسط، أما شعوب غرب أوروبا
فلم يعرفوا الكتابة إلاّ منذ حوالي ثلاثة أو أربعة آلاف عام .
ونتيجة
لقلة المعلومات، اتجهت أنظار الباحثين إلى استكمال هذا النقص من النتائج
التي أظهرتها دراسات علماء الاجتماع والجغرافيا الاجتماعية "
الانتربولوجيا " في دراستهما للجماعات البشرية المعاصرة التي مازالت تعيش
بصورتها البدائية، ومن ذلك بعض القبائل الأسترالية الأصلية، وبعض الجماعات
الأفريقية، رغم أن كثيرا من الباحثين يشككون في صحة نتائج تلك الأبحاث
بدعوى أن هذه الشعوب - وإن عدت متأخرة وبدائية - إلاّ أنها أصابت شيئا من
التطور في أساليب حياتها وأنماط عيشها، الأمر الذي يجعلها لا تعكس بصورة
صحيحة حقيقة تلك القبائل البدائية، ويخلص هؤلاء الباحثون إلى عدم صلاحية
المعلومات المستخلصة من هذه الدراسات للحكم على المجتمعات التي كانت تعيش
قبل التاريخ .
أما المعرفة المتعسرة حقا فإنها لتاريخ الحياة
الإنسانية المدون، وسر تعسرها أن المعلومات التاريخية المدونة غير وافية،
وكثير منها محرف ومبدل . ومن المؤسف حقا أن البحوث التي يقوم بها كثير من
الباحثين الغربيين تتلون بلون عقائدهم وتصوراتهم، ومع ذلك دأب الشرقيون
على نقلها عنهم دون ترو، وكأن ما ورد في تلك البحوث نصوص لا يرقى إليها
الشك في ثبوتها أو دلالاتها. ولإثبات فساد هذه التصورات سنعرض لبعض
المسائل بإيجاز شديد.
أ – نشأة البشرية
من المعروف أن فكرة نظرية
النشوء والارتقاء التي نادى بها داروين في كتابه ( أصل الأنواع ) قد سيطرت
على التفكير الغربي ردحا من الزمن غير قصير، بل لا غضاضة في القول بأنها
لا زالت تشكل ثقلا ذهنيا على نمط التفكير الغربي. فالإنسان وجد بنفسه ثم
ترقي وتطور حتى وصل إلى الحال التي هو عليه اليوم، وهذه النظرة قائمة في
أساسها على نكران وجود الخالق، ومكذبة بما جاءت به الكتب السماوية بدعوى
أنها ( أي النظرية ) تسلك سبيل البحث العلمي النـزيه، في حين أنها في
حقيقتها تخالف منهجية البحث العلمي بنكرانها للحقائق الكبرى . ولقد قيل في
معرض الدفاع على صدق هذه النظرية وصحتها: " إنه لم يكن ليقدر لنا أن نوجد
على الإطلاق لولا أن سبقتنا إلى الوجود حيوانات من ذلك النوع القريب كل
القرب من الإنسان، والتي استطعنا نحن أن نظهر منها، والحق أننا مازلنا نجد
كثيرا من خصائص تلك الحيوانات في أبناء عمومتنا القردة البشرية التي يطلق
عليها Anthropoid Aipes .
ولقد ألقت هذه النظرية ظلالها على كثير من
العلوم ومنها تاريخ القانون، وتحت تأثيرها أخذ المؤرخون يصفون الإنسان
الأول بأوصاف العجموات، فهولا يتكلم ولا يفقه شيئا، ولا يعرف كيف يواري
سوءته، ولا يعلم شيئا عن الخلق والخالق، وليس لديه شئ من النظم.
ومن
العجيب حقا أن ينقل فقهاء القانون العرب هذه .الأفكار دون تنقيح، ويسلمون
بذلك في كتبهم، وينقلونه إلى النشء من خلال تدريسهم لتلك الأفكار . ومثال
ذلك ما ينقله الدكتور إدوار غالي الذهبي بقوله: "وقد تطورت الأحياء خلال
هذه الأزمنة الجيولوجية الطويلة ببطء شديد، وعثر العلماء على بقايا من
النوع المعروف باسم أشباه البشر Paraanthropus) )في حفريات ترجع إلى زمن
الميوسين حين كانت الأنواع الحية لا تزال قليلة منذ حوالي عشرين مليون سنة
على اقل تقدير، أما الأنواع البشرية فلم تظهر إلاّ في زمن
البلايستوسينPleistocene ) ) أي زمن الغالبية العظمى من الأنواع الحية ..
. وقد عاش من هذه الأنواع البشرية ثلاثة أنواع
1 -إنسان جاوة
Pithecanthropus ومعناه الإنسان القرد كما يسمى (المثل الوحيد)، وقد تم
اكتشاف بقايا هذا الإنسان في إحدى القرى الواقعة على نهر صولو في جزيرة
جاوة عام 1891.
2 _ إنسان نياندرتال Homo Neanderthalensis
والنياندرتال واد على أحد روافد نهر الراين في أوروبا وقد عانى الإنسان
الموجود من البرد القارس الناجم عن تراكم الجليد، فأقام في الكهوف ومارس
نمط الحياة المعروف بالعصر الحجري القديم.
3 _الإنسان العاقل Homo
Sapiens وينتمي إليه ***** البشري الحالي، ومن المحتمل ألاّ يكون قد سيطر
على الكرة الأرضية إلا منذ مائة ألف عام .
ولا أرى أن المرء في حاجة
إلى عناء كبير للتدليل على مجافاة هذا التصور لعقيدة المسلمين، فمن الجلي
أنها تستند على نظرية النشوء والارتقاء المعروفة بنظرية ( أصل الأنواع)
التي نادى بها داروين، بينما يقوم التصور الإسلامي لبدء الخليقة على ما
جاء به القرآن الكريم:{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة،
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك،
قال إني أعلم ما لا تعلمون.} ويخبرنا الله سبحانه وتعالى عن كيفية استعمار
الإنسان للأرض بقوله: { وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس
أبى واستكبر وكان من الكافرين، وقلنا يأدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها
رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الخاسرين، فأزلهما الشيطان
عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض
مستقر ومتاع إلى حين… الآية}
ب - تطور البشرية
إن المنهج المنحرف
الذي تولّدت عنه نشأت البشرية هو نفسه الذي صوّر فكرة تطورها، وأنماط
الحياة الاجتماعية التي كانت تعيشها في فترة طفولتها ـ كما يعبر البعض عن
ذلك ـ فعلماء الاجتماع والقانون يفترضون نظريات يخالف بعضها بعضا وإن كانت
جميعها لا تقوم على حقيقة ثابتة، وليس لأي منها سند يدعمها.
ويتفق
المؤرخون وعلماء الاجتماع على أن العوامل الجيولوجية والاقتصادية قد أثرت
تأثيرا كبيرا على العوامل الاجتماعية التي عاش في ظلها أجدادنا القدامى .
ففي عصر الجليد أو كما يسميه المؤرخون ـ عصر الوحشية _ كان الناس يعتمدون
على الصيد وما تجود به الأرض، ويتسم هذا العصر بالقوة والوحشية فلا حكام
تدين لهم الجماعة، والقوي يأكل الضعيف، فكانوا وحوشا ضارية، وعقولهم معطلة
عن التفكير الذاتي . أما عصر الهمجية أو البربرية فقد اهتدى فيه الإنسان
إلى الزراعة وتربية الماشية، واستخدام الحجارة في البناء، وهناك من يقسّم
هذا العصر إلى ثلاث مراحل: الهمجية السفلى، وتبدأ منذ صنع الأواني
الفخارية إلى اكتشاف الزراعة وممارسة الرعي، والهمجية الوسطى وتبدأ منذ
اكتشاف الزراعة إلى صهر الحديد، أما الهمجية العليا فهي تبدأ منذ صهر
الحديد إلى اختراع الكتابة، يلي ذلك ما يعرف بعصر المدنية.
ولقد اختلف العلماء في تصور الخلية الاجتماعية الأولى، وانقسموا إلى ثلاث مجموعات كل منهم يتبنى نظرية معينة:
1
-نظرية الأسرة الأبوية: يرى أنصار هذه النظرية ومنهم (روبرت لوي) أن أول
تنظيم اجتماعي كان هو الأسرة المكونة من أبوين وأولادهما بوصفها أصغر وحدة
اجتماعية فالأسرة الأبوية وفقا لهذه النظرية هي الخلية الاجتماعية الأولى،
وبمرور الزمن وكثرة النسل، واقتناء الرقيق، اتسعت دائرة الأسرة فتحولت إلى
عشيرة ثم إلى قبيلة، وباستقرار القبائل وتوحيد السلطة العليا فيما بينها
تكونت الدولة .
واستند أنصار هذه النظرية على بعض ما جاء في التوراة
عن العشائر اليهودية التي تناسلت من إسحاق، وما ذهب إليه بعض فلاسفة
اليونان من أن العشيرة اليونانية هي أصل المجتمع اليوناني، وبأن الحيوانات
الراقية تعيش في جماعات تتكون من الذكر وأنثاه وصغارهما، وأن الإنسان
عندما يولد يحتاج إلى عناية من بني جنسه في كل شئ حتى يتكامل ويكون قادرا
على العيش.
ولقد انتقد الباحثون هذه النظرية على أساس أنه من الخطأ
اعتبار الأسرة الأبوية هي الخلية الاجتماعية الأولى، لأنه قد سبقتها
الأسرة الأمية، حين كان الأطفال ينسبون إلى أمهم، والقول بأن الأسرة
الأبوية سابقة يتعارض مع ما انتهت إليه دراسات الباحثين مثل ما كتبه ماك
لينان في كتابه المشهور ( الزواج البدائي)، وتشبيه الإنسان بالحيوان لا
بجدي في تأييد هذه النظرية، لأن الإنسان قد يقوم بأفعال يأنف منها
الحيوان، فالنمور تربي صغارها بينما وجد من البشر من مارس عادة وأد البنات
.
2 _ نظرية القبيلة: يذهب أنصار هذه النظرية وفي مقدمتهم الاسكتلندي
ماك لينان Mc Lennan، والأمريكي مورجان Morgan إلى أن القبيلة كانت أول
خلية اجتماعية وجدت عند الجماعات البدائية، وكانت عبارة عن مجموعة من
الأفراد ضمتهم المصادفة أو الضرورة للتعاون في اتقاء الأخطار دون أن
تجمعهم رابطة القرابة ودون الخضوع إلى ضابط في علاقاتهم الجنسية، فكانت
المرأة مشاعا بينهم والولد ينسب إلى أمه، وقد اضطرتهم ظروف الحياة إلى
التخلص من بعض الأفراد، فكانوا يئدون البنات بحجة أنهن غير قادرات على درء
المخاطر والحصول على القوت. وترتب على ذلك ندرة عدد الإناث، وأصبحت
الجماعة تتكون من مجموعة من الرجال يشتركون في امرأة واحدة، وظهر نظام
تعدد الأزواج . وبعد ذلك ظهر نظام المشاركة الأخوية حيث يشترك عدد من
الاخوة في زوجة واحدة، وينسب الأطفال إلى الأخ الأكبر، ثم ظهر أخيرا نظام
الزواج الفردي حيث يستأثر الزوج بزوجته وكان ذلك إيذانا بظهور نظام الأسرة
الأبوية التي حلت محل القبيلة في التنظيم الاجتماعي.
واستند أنصار
هذه النظرية على بعض العادات الإباحية القديمة لدى بعض الشعوب والقبائل
المتخلفة كزواج الأخ من أخته التي كانت سائدة عند الفرس والمصريين
القدامى، ونظام تعدد الأزواج الموجود لدى بعض قبائل الإسكيمو والهند،
والعلاقات الجنسية غير المقيدة قبل الزواج السائدة في بعض القبائل
الأفريقية ، وكذلك ما يعرف بزواج التجربة ونظام الدعارة المقدسة الذي كان
يمارسه اليهود عند المعابد، والبابليون في أبراج الزهرة .
ولقد واجهت
هذه النظرية انتقادا شديدا من علماء الاجتماع باعتبار أنها تقوم على تصور
غير حقيقي ، فكل الحجج التي سيقت للتدليل على مرحلة الإباحية الجنسية لا
تعدو أن تكون مجرد استنتاجات من عادات لاحقة عدت من أثار مرحلة سابقة،
افترض وجودها دون أن يقوم دليل على وجودها حقيقة. كما أن هذه النظرية تحط
من قدر الإنسان وتجعله اقل تقدما من بعض أصناف الحيوانات ، ومن جهة أخرى
لو كانت الأسرة الأمية نشأت نتيجة الإباحية الجنسية لدى الجماعات البدائية
لوجب أن توجد عند الجماعات التي مازالت في أدنى درجات التطور، غير أن
المشاهد أن بعض القبائل المتأخرة التي تعيش على جمع القوت تسير على النظام
الأبوي، فالنظرية في مجملها لا تنهض دليلا على وجود مرحلة سابقة من
الإباحية الجنسية .
3- نظرية العشيرة الطوطمية : تقوم هذه النظرية على
أن الخلية الاجتماعية الأولى قد تكونت من رابطة بين أفراد يعتقدون أنهم
ينتسبون إلى طوطم واحد، وقد أطلق العلماء على هذه الخلية اسم العشيرة
الطوطمية . ولا يرتبط أفراد هذه العشيرة برابطة القرابة كما هو شأن الأسرة
الأبوية أو الأمية، ولا برابطة المصالح كما هو حال القبيلة، وإنما
الاعتقاد الخرافي هو اصل الترابط، والطوطم عبارة عن حيوان أو نبات تعتقد
الجماعة أنه جدها الأعلى الذي تناسلت منه، والعشيرة التي تتخذ الذئب طوطما
ترى أن أفراد تلك العشيرة هم أبناء لذلك الطوطم يتخذون منه اسما لهم
ويجعلونه موضع القداسة . والطوطمية نظام ديني لأنه يقوم على اعتقاد
الجماعة بعبادة الطوطم باعتباره الجد الأعلى، وكذلك نظام اجتماعي لأنه
يقوم على أساس التضامن فإذا وقع اعتداء على أحد أفراد العشيرة هبت جميعها
لنجدته، وإذا وقع اعتداء من أحد أفراد القبيلة تتعرض جميعها للانتقام
الواقع عليها من قبيلة المعتدى عليه.
ويستند أصحاب هذه النظرية على
ما كشفت عنه البحوث الأثرية في الدول ذات المدنيات القديمة من أنها اتخذت
كثيرا من الحيوانات والطيور آلهة باعتبارها الجد الأعلى، وكذلك بعض
الجماعات القديمة السائدة حاليا مثل بعض القبائل الأسترالية، والهنود
الحمر في أمريكا الشمالية.
وتعرضت نظرية العشيرة الطوطمية لنفس الانتقادات التي تعرضت لها النظريات السابقة .
الرد على هذه النظريات
من
الملاحظ أن النظريات المتقدمة جميعها لم تسلم من الرد الأمر الذي يدفع إلى
التشكيك في صحتها، ومن العجيب حقا أن كل فريق يسوق من سهام النقد ما يحاول
أن يدحض به نظرية الفريق الآخر، دون أن يقيم دليلا دامغا على صحة نظريته.
وليس أدل على البطلان مما يسوقه ماك لينان بزعمه أن الجماعات البشرية في
العصر الحجري لم تكن تعرف الزراعة، ولا تربية الماشية، وكانت تعيش على قنص
الحيوانات الوحشية، وتعتمد في قنصها على القوة البدنية والمهارة في القنص،
ومن أجل ذلك كانت تعني بتربية الذكور وإعدادهم لهذه المهمة الخطيرة التي
تتوقف عليها حياة الجماعة، ويرى أن الإنسان اضطر إلى قتل البنات ووأدهن
ليتخلص من أفواه تأكل ولا نفع من ورائها. لأن النساء لم يكن قادرات على
القنص والصيد، ولأنهن عاجزات عن اقتحام المخاطر للحصول على الغداء، وقد
أدى ذلك إلى ندرة النساء وأضحت المجموعة البدائية تتكون من مجموعة من
الرجال يشتركون في امرأة واحدة وهذا ما يسمى بحالة تعدد الأزواج.
وتأسيسا
على ما تقدم يرى لينان أن عادة خطف البنات قد أدت إلى جهالة نسب الولد إلى
أبيه لأن المختطفات من النساء كثيرا ما يتم إعادة خطفهن أو استرجاعهن وهن
حوامل، ولهذا كان ينسب الولد إلى أمه ونتيجة ذلك نشأت ما يعرف بالأسرة
الأمية .
ويستند بعض الكتاب على ما جاء في النصوص المحرفة في التوراة
عن إبراهيم عليه السلام والزعم من أن سارة أخته لأبيه، وأن يعقوب عليه
السلام قد تزوج من أختين، ومن ذلك ما جاء في العهد القديم من أن بنات لوط
(عليه السلام) خشين من فقدان أثر أبيهن فاتفقن على أن يقمن بأسكاره ثم
تختلي به إحداهن، وتمكنه من نفسها لكي تلد منه، وهكذا أنجبت كل منهما ولدا
. وكذلك بعض العادات الإباحية المنتشرة في بعض مناطق من العالم قديما
وحديثا.
ولا حاجة للمرء إلى إقامة الدليل على تبرئة إبراهيم ويعقوب
ولوط عليهم السلام من افتراءات اليهود ونصوصهم المحرفة. كما أن الأدلة على
فساد تأسيس أصل نشأة الإنسان من الكثرة بحيث يضيق المكان عن سردها، وتقف
في مجملها دليلا على فساد تلك الأراجيف وتدعو إلى وجوب إعادة صياغة هذا
الموضوع وفقا لرؤية الإسلام . والجدير بالذكر أن هناك بعض الإشارات
العارضة في بعض الكتب إلى عدم صحة ما قيل، ولكن دون الخوض في الموضوع أو
الإشارة إلى البعد الحقيقي لما قيل، ومن ذلك القول: " بأنه مهما كانت
الحجج التي قدمتها هذه النظريات الثلاث السابقة في بيان الأساس الاجتماعي
للإنسان البدائي، فأنه يصعب القطع بصحة إحدى هذه النظريات، لأن كل ما بين
أيدي العلماء لا يعدو أن يكون استنتاجات أو افتراضات ويتعذر ترجيح أي من
هذه النظريات على الأخرى مادمنا لم نتوصل إلى الأدلة التي تقطع بهذا
الترجيح، فأي من هذه النظريات الثلاثة لا تصلح لوحدها لتفسير قيام جميع
المجتمعات البدائية، إذ لم يثبت بالدليل القاطع وجود مرحلة من الإباحية
الجنسية عاش فيها الإنسان البدائي .
والإسلام يؤكد على أن الله عز
وجل خلق الإنسان بيده، ونفخ فيه من روحه، وسخر له ما في السماوات والأرض
جميعا، وخطاب الله تعالى أما خطاب للإنسان أو خطاب عن الإنسان . والإنسان
مخلوق مميز مكرم في الملء الأعلى، وظهر تمييزه بتعليمه للأسماء كلها،
وصياغته صياغة تؤهله للقيام بمهامه الثلاثة في الأرض وهي: تحقيق عبودية
الله، وعمارة الكون والاستخلاف في الأرض . ولا تتحقق غاية الإنسان إلا
بهذا الأمر الذي يقتضيه العقل والمنطق . لقد اكتمل خلق آدم {وإذ قال ربك
للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..} و علمه ريه الأسماء،{وعلم آدم
الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم
صادقين} ، وجاء الأمر بسكنى الجنة و النهي عن ارتكاب المعصية {وقلنا يا
أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين} وكانت الغواية، وارتكبت المعصية، ولزمت العقوبة فكان
الهبوط إلى الأرض، وكان ذلك كله حيث يعلم الله من الجنة{ فأزلهما الشيطان
عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض
مستقر ومتاع إلى حين} .
هبط آدم إلى الأرض ورزق الذرية { خلقكم من نفس
واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } ، وكانت ذريته على
التوحيد، ثم اختلف الأبناء فيما بينهم لتعارض المصالح وكانت الخصومة
الأولى في التاريخ، وأشار آدم عليه السلام على أبنائه المتنازعين أن يقدم
كل منهما قربانا، ومن أكلت النار قربانه فهو صاحب الحق، فكانت القاعدة
القانونية الأولى في تاريخ البشرية لحل النزاع، وقدمت القرابين، وتقبل
قربان أحدهما ولم يتقبل من الآخر فكان الحكم الأول في تاريخ البشرية، ولم
يرض أحد المتنازعين بالحكم، فامتدت يده الآثمة فقتلت صاحب الحق، وكانت
الجريمة الأولى{ وأتل عليهم نبأ ابني ء آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من
أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين،
لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أني أخاف الله رب
العالمين، إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء
الظالمين، فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين .}
تتابعت
ذرية آدم، وكانت على التوحيد زمنا، ثم داخلها الشرك فأرسل الله الرسل، ومن
الملاحظ أنه كلما خرج الناس عن النواميس التي وضعها الله لهم كلما انتشر
الفساد، وتتابع الرسل حتى إذا عمّ الفساد أرسل الله نوحا ليطهر الأرض من
أدناسها، وانتشر التوحيد زمنا بعد نوح، ثم عادت البشرية إلى فسادها
وزيفها، فأرسل الله الرسل تباعا حتى كانت خاتمة الرسالات .
وإذا رجعنا
إلى المواضع التي عرض الله فيها خبر الرسل، لوجدنا أن دعوة أول الرسل
وأخرهم واحدة، وأن التصورات التي جاء بها نوح لم تكن بدائية كما يزعمون،
وإنما هي نفس التصورات التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام {إنا أوحينا
إليك كما أوحينا إلى نوح }، وهذا من أوضح الأدلة على بطلان القول بأن
البشرية قد ترقت في عقائدها. وهذا ما يؤكد على أن البشرية لم تبدأ بداية
منحرفة وثنية ولم تكن بدايتها بهيمية، والعقل المستنير لا يحار كثيرا في
فهم بطلان دعوى النظريات الغربية، والرجوع إلى القرآن يفسر الكثير من
المعضلات التي يحار فيها العقل البشري، أما إذا ركن إلى العقل المجرد تاه
في دياجير الظلام . ومن ركب البحر استقل السواقي .

المطلب الثاني
تاريخ القوانين الوضعية العربية المعاصرة
وإقصاء الشريعة
مقدمة
تقوم
عقيدة التوحيد في الإسلام على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والعبودية،
واستقر في ذهن المسلمين أن توحيد الربوبية يتحقق بالإقرار بأن الله هو
الخالق الرازق المدبر، وهذه المسألة لم يكن يعارض فيها حتى الكفرة الذين
نزلت فيهم الرسالة بدليل قول الله فيهم { ولئن سألتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله}، أما توحيد الألوهية فلا يتحقق إلا بالتسليم بأن الله
هو المسيطر والمهيمن، واستقر في عقيدة المسلمين بأن التشريع من مقتضيات
الإقرار بالألوهية بدلالة قول الله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما } وقوله تعالى:{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}
وقوله تعالى {إن الحكم إلا لله، أمر ألاّ تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين
القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون} { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما
لم يأذن به الله} {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك
الله ولا تكن للخائنين خصيما } {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين
يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم
عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة
واحدة ولكن ليبلوكم في ما ءاتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون، وان احكم بينهم بما أنزل إليك فإن تولوا
فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون،
أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }
ولقد عاش
المسلمون منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يحتكمون إلى شرع الله
المتمثل في الكتاب والسنة، والأحكام التي تستمد منهما باستعمال أصول الفقه
بالضوابط التي وضعها الفقهاء المسلمون، فما من حكم إلا ويجد أساسه في
الكليات التي اقرها ا لله سبحانه وتعالى. وكان المسلمون إذا عرض لهم قضاء
حكموا بكتاب الله، فإن لم يجدوا فبسنة رسول الله، فإن لم يجدوا بحثوا في
قضاء من سبقهم، ثم ظهرت المذاهب الفقهية، فقعّد الفقهاء القواعد وحددوا
الأصول، واجتهدوا في استخراج الأحكام من مضانها. فكانت الشريعة الإسلامية
مهيمنة على الناس في معاشهم ومعاذهم. ثم تكالبت الأمم على الإسلام
والمسلمين ومزقت دولتهم، وعملت على إقصاء شريعتهم . وزينت لهم السير في
ركاب الغرب، ووضع القوانين الوضعية بدلا من الشريعة الإسلامية، فصارت
الدول الإسلامية اليوم تضع لنفسها تشريعات كثيرة تجد أصولها في القوانين
الغربية. ولكن هذه النهاية لم تكن وليدة يوم وليلة وإنما كانت نتيجة جهود
سنوات طويلة فكيف كانت بداية هذه المرحلة ؟


السياسة والشرع
بدأت
رحلة تاريخ إقصاء الشريعة في الديار الإسلامية باستحداث ما يعرف بالحكم
بالسياسة، فقد كان بعض أمراء الدولة يخرج على أحكام الشريعة بدعوى أنه
يسعى لمصلحة الأمة، ويسمي هذا الخروج سياسة، باعتبار أن السياسة هي القيام
على الأمر بما يصلحه . أو باعتبار أن فعله يكون معه الناس اقرب للصلاح
وابعد عن الفساد . ولا يعني هذا أن العمل بالسياسة أمرا مذموما على
إطلاقه، فهو أمر جليل إذا كان محكوما بقواعد الشريعة، وهذا ما يطلق عليه
السياسة الشرعية، وهي المقصود بالتدبير الذي يكون معه الناس اقرب إلى
الصلاح وأبعد عن الفساد، وذلك يتم إما بتطبيق أحكام الشارع كما وردت، أو
بالاجتهاد طبقا للأصول والقواعد العامة باعتبارها ميزانا وقسطاسا يزن به
المجتهد كل ما يعرض عليه من صور وجزئيات. ولا تخف فوائد العمل بالسياسة
الشرعية ففيها مسايرة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والقدرة
على الوفاء بمتطلبات الحياة، وتحقيق مصالح الأمة في كل حال وزمان على وجه
يتفق مع المبادئ العامة في الإسلام غير أن السياسة باب واسع تفرق فيه
الناس على طوائف عديدة، ولقد نقل عن أبن فرحون قوله: والسياسة نوعان،
سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع
كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية،
فالشريعة توجب المصير إليها، والاعتداد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع
تضل فيه الإفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق، ويعطل الحدود،
ويجزئ أهل الفساد،ويعين أهل العناد، والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم
الشنيعة، ويوجب سفك الدماء، وأخذ الأموال بغير الحق، ولهذا سلكت فيه طائفة
مسلك التفريط المذموم فقطعوا النظر عن هذا الباب إلا ما قل ظنا منهم أن
تعاطي ذلك مناف للقواعد الشرعية فسدوا من طرق الحق سبيلا واضحة، وعدلوا
إلى طريق من العناد فاضحة لأن في إنكار السياسة الشرعية ردا للنصوص
الشرعية للخلفاء الراشدين، وطائفة سلكت في هذا مسلك الإفراط فتعدوا حدود
الله تعالى وخرجوا عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع السياسية،
وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة وهو جهل
وغلط فاحش قال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم} ،وقال عليه الصلاة والسلام
" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تظلوا كتاب الله وسنتي " وطائفة توسطت
وسلكت فيه مسلك الحق، وجمعوا بين السياسة والشرع فزهق الباطل ودحضوه،
وانصفوا الشارع ونصروه والله يهدي من يشأ إلى صراط مستقيم "
وقد أشار
ابن تيمية إلى الطائفة التي اشتطت في استعمال السياسة خروجا على أحكام
الشرع بقوله: " وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من
أخذ أموال لا يجوز أخذها وعقوبات على الجرائم لا تجوز" وبين السبب في ذلك
بقوله: " لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعه حيث يسوغ وضعه طالبين بذلك إقامة دين
الله لا رياسة أنفسهم، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع،
والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله لما
احتاجوا إلى المكوس الموضوعة، ولا إلى العقوبات الجائرة، ولا إلى من
يحفظهم من العبيد والمستعبدين " وذكر في موضع آخر قوله:" فلما صارت
الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس، وتقلد لهم القضاء من
تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة
العادلة، احتاجوا حينئذ إلى ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية
شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين، حتى صار يقال الشرع
والسياسة، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة، سوغ حاكما أن
يحكم بالشرع والآخر بالسياسة. ولقد ذكر ابن تيمية: أن الذين انتسبوا إلى
الشريعة قصروا في معرفة السنة فصارت أمورا كثيرة .. إذا حكموا ضيعوا
الحقوق وعطلوا الحدود حتى تسفك الدماء وتؤخذ الأموال وتستباح الحرمات،
والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام
بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم بلا هوى وتحر للعدل، وكثير ممن يحكمون
بالهوى يحابون القوي ومن يرشوهم ونحو ذلك " ولقد أصبحت السياسة ستارا به
تنحى الشريعة جانبا ويحكم بالهوى، ولقد بلغ الأمر في عهد المماليك أن
الحاجب ـ كما يقول المقريزي في الخطط ـ يحكم في كل حقير وجليل للناس، وكان
يحكم في مسائل الديون والتجارة بوجه خاص لا وفقا للشرع وإنما وفقا للسياسة
.
غير أن العمل بالسياسة لا يعتبر خروجا بالأمة عن أحكام الشريعة
حقيقة، فالعامل بالسياسة إما أن يتحرى الشرع ويكون عمله موافقا له، وإما
أن يجانب الشرع وهو يدعي العمل به من أجل تحقيق بعض المصالح. ومع ذلك لا
يطالب بإقصاء الشريعة، بل يعظمها وينافح عنها . ولكن أولى المحاولات
لإخراج الأمة عن شرعها كانت فيما عرف بالياسا أو الياسق .
الياسا أو الياسق
الياسق
تشريع وضعه جنكيز خان ، وهو كما جاء في تفسير ابن كثير عبارة عن كتاب
مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية والنصرانية والملة
الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت
في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم . ويصف المقريزي في خططه هذا القانون من حيث الشكل بقوله: " وقد
كتبه في مجلدين كبيرين بخط غليظ، وكان يحمل عندهم على بعير، ولما اكتمل
وضعه نقشه في صفائح من الفولاذ وجعله شريعة لقومه، فلما مات التزم أولاده
من بعده واتباعهم حكم الياسا كالتزام أول المسلمين حكم القرآن، وجعلوا ذلك
دينا لم يعرف عن أحد منهم مخالفته" .وبعد أن هاجم المغول الدولة الإسلامية
واستولوا على بعض أجزائها ، أرادوا حمل المسلمين على الاحتكام إلى الياسا،
ولكنهم سرعان ما اعتنقوا الإسلام واحتكموا إلى شرع الله وباءت تلك
المحاولة لصرف المسلمين عن شرعهم بالفشل .
قانون نامة
ولئن كان
الركون إلى السياسة والحمل على إتباع الياسق كان في أيام الدولة العباسية،
فقد شهدت سيادة الدولة العثمانية محاولة تشريعية عرفت بسم قانون نامة،
وكان ذلك حوالي سنة 1455م، وكان هذا التشريع يتضمن تنظيما كاملا للإدارة،
وأحكاما متعلقة بالعقوبات، وهذا القانون رغم استعارته لبعض القواعد من
الشريعة الإسلامية إلا أنه يبتعد عنها من الناحية الواقعية، واستحدث
قانونا جنائيا كاملا، واستبدل بالحدود غرامات مالية، ففي السرقة لا يقام
الحد إلا إذا كان الخيل محلا للجريمة، والعقوبة قد تكون بقطع اليد أو
بتغريم السارق بغرامة باهضة، أما الزنا فعقوبته بعد ثبوته الغرامة التي
تختلف باختلاف ما إذا كان الزاني متزوجا أم أعزبا، أما السكر فعقوبته
التعزير، ويكون عادة بالضرب بالعصا والغرامة .
ويعزى هذا القانون إلى
السلطان العثماني محمد الفاتح، غير أن هذا القول لا يتفق مع ما قاله
المنصفون ومن ذلك ما ذكره الدكتور سالم الرشيدي في كتابه محمد الفاتح من
أنه اطلع على كتاب الأستاذ على همت بركي الأفسكي الرئيس السابق لمحكمة
النقض في تركيا الذي وضعه بمناسبة مرور خمسمائة عام على فتح القسطنطينية
بعنوان الحياة العدلية في عهد السلطان محمد الفاتح، وقد اثبت الكاتب بأدلة
قطعية عدم صحة نسبة هذا القانون لمحمد الفاتح وأنه مدسوس عليه . ويقول
الرشيدي: إن القوانين التي تنسب إلى حكام الدولة العثمانية ليست من هذه
القوانين المناقضة لشرع الله، بل هي أشبه ما تكون بالقوانين الإدارية في
زماننا، فقد كانت تبين هيئة الحكومة وأعمدتها الأربعة وهم الوزراء وقضاة
العسكر والدفتر دار، ومدى سلطة كل منهم واختصاصه وكيفية اجتماع الديوان،
والشارات التي يحملها الوزراء والنظام الداخلي للجيش وفرقه، والقصر
السلطاني والاحتفالات والأعياد ونظام إدارة المقاطعات.
ولقد تتابعت
بعد ذلك الحركة التشريعية في تركيا فصدر قانون جنائي سنة 1851 وتم تعديله
سنة 1858، وقد أخذ التعديل بالكامل من القانون الفرنسي، ثم أدخلت عليه
تعديلات كثيرة كان أهمها تعديل 1911 وهو مأخوذ من القانون الإيطالي .
وشملت الحركة التشريعية التركية المجالات الآتية: القانون التجاري سنة
1850 نقلا عن القانون الفرنسي الصادر سنة 1807، قانون الأراضي الأميرية
سنة 1858، قانون أصول المحاكمات التجارية سنة 1864، قانون التجارة البحرية
سنة 1861، قانون المحاكمات الحقوقية سنة 1880، قانون الإجراءات العام سنة
1906
وكان انسلاخ الدولة عن الشريعة الإسلامية واضحا في كثير من
القوانين، فالأحكام الجنائية تختلف عن تلك المعروفة في الفقه الإسلامي، بل
إن بعض المحرمات صارت مقننة، ومن ذلك أجازت المادة 112 من قانون المحاكمات
الحقوقية اقتضاء الفوائد القانونية ( الربا المحرم شرعا )، وأجاز نظام
المرابحة الصادر عام 1887 الفوائد الرضائية في المعاملات العادية، وفي عام
1876 صدر القانون المدني المعروف باسم مجلة الأحكام العدلية، وقد أخذت
نصوصها من أحكام الفقه الحنفي، وكانت القوانين الأخرى مناقضة لها في كثير
من أحكامها .
وبالطبع كان للحركة التشريعية أثرها على جميع الدول
العربية والإسلامية باعتبار أن تركيا كانت تمثل مركز الخلافة وتسيطر على
أغلب الأقطار الإسلامية، ولذلك لا غرابة أن نجد أن الدول الأخرى قد حدت
حذوها وتأثرت بما حل بها. وسنحاول في إطلالة سريعة أن نعرض تاريخ القوانين
الوضعية المعاصرة لمصر، باعتباره تاريخا لأغلب التشريعات العربية المعاصرة

بداية القوانين الوضعية في مصر
لقد كان نابليون أول من حاول الكيد
للشريعة الإسلامية في العصر الحديث، فبعد احتلاله لمصر سنة 1798 حاول أن
يستبدل أحكام الشريعة بالقانون الوضعي، فأنشأ محكمة سميت بمحكمة القضايا،
وهي هيئة تتكون من أثني عشرة تاجرا، نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من
عباد الصليب، وأسندت رياستها إلى قاض قبطي، وجعل من اختصاصها النظر في
المسائل التجارية ومسائل المواريث. وتشكلت هذه المحاكم في كل من
الإسكندرية ورشيد ودمياط . ,أنشأ " منوا " خليفة نابليون في مصر لكل طائفة
من الطوائف غير الإسلامية من الأقباط والروم واليهود وغيرهم محاكم خاصة،
ويتولى رئيس كل طائفة المحكمة الخاصة بطائفته، وكان ذلك بهدف تقليص دور
المحاكم الشرعية. غير أن هذه المحاكم جميعها تلاشت بخروج الفرنسيين، وعادت
المحاكم الشرعية إلى سابق عهدها
وفي عهد محمد على تقلص القضاء
الشرعي، إذ أنشأ ما يسمي بالمجالس القضائية المحلية بجانب المحاكم
الشرعية، وقد أخذت هذه المجالس كثيرا من اختصاصات المحاكم الشرعية، ومن
هذه المجالس: مجلس أقلام الدعاوى وكان مختصا بنظر الدعاوى المدنية التي لا
تجاوز قيمتها ألف وخمسمائة قرشا، ومجلس دعاوى البلد في المدن الصغيرة،
ويختص بالنظر في الحقوق المدنية التي لا تتجاوز قيمتها خمسمائة قرشا . ثم
ثبتت وترسمت هذه المحاكم في عهد سعيد باشا، وصارت تحكم وفقا لما يظهر لها
دون الارتباط بأي قانون أو عرف، حتى صار الناس يطلقون عليها محاكم القانون
الهمايوني
وتشعب القضاء في مصر نتيجة المعاهدات التي أبرمتها حكومة
الباب العالي في الأستانة وتساهل الحكومة المصرية، فكان القناصل يحكمون
بين رعاياهم والحائزين للحماية من غيرهم، ومع مرور الزمن اصبح هذا السلوك
قانونا بموجب اللائحة السعيدية المعروفة بسم لائحة البوليس السعيدية
الصادرة في 15 أغسطس 1857. وتصور هذه اللائحة حالة التردي التي وصلت إليها
الدولة، إذ خرج من يدها حتى أمر تطبيق شرعها على من يقيم على أرضها، فتلك
اللائحة نصت على أن الأجانب يحاكمون أمام القناصل التابعين لهم .
وفي
سنة 1863 تولى الحكم إسماعيل باشا، ووجد أن النظام القضائي الذي يخضع له
الأجانب في حالة فوضى، وأراد أن يصلح الأمر بإعادة المحاكم الشرعية، ولكن
نوبار باشا وزير الخارجية ( الأرمني الأصل ) رأى أن سبيل الإصلاح هو إنشاء
المحاكم المختلطة، وفي سنة 1867 رفع تقريرا إلى الخديوي إسماعيل يعرض فيه
إصلاح الوضع القائم بإنشاء محاكم مصرية مختلطة مؤلفة من قضاة أوروبيين
ومصريين تمتد ولايتها لجميع المسائل المدنية والتجارية والجنائية مع
الاحتفاظ بالمسائل المتعلقة بالعقارات للمحاكم الشرعية، وأوصى بإصدار
قوانين تقوم المحاكم الجديدة بتطبيقها .
ووافقت الدول أصحاب الامتيازات
على الفكرة بعد مفاوضات دامت سنتين قضاها نوبار باشا في الترحال بين عواصم
أوروبا، وشكلت لجنة من ممثلي تلك الدول وعقدت اجتماعاتها في مصر أثناء
الاحتفال بافتتاح قناة السويس، وانتهت بالموافقة على تأسيس المحاكم
المختلطة سنة 1870. واشترطت لذلك أن تسن قوانين تطبق أمام هذه المحاكم على
أن تؤخذ من القوانين الفرنسية، وأن يكون القضاة خليط من المصريين
والفرنسيين والألمان والإنجليز. وكان ذلك إيذانا ببداية وضع القوانين
الوضعية .
وفي خطوة أولى نحو الغاية المرسومة – وهي إقصاء الشريعة
وإحلال القوانين الوضعية بدلا عنها –تم تكليف محام فرنسي يدعى "مونوري"
بوضع القوانين التي ستطبق أمام القضاء المصري، وقام هذا المحامي بما تعجز
أن تقوم به عشرات اللجان، فوضع التقنين المدني، وتقنين التجارة البرية،
وتقنين التجارة البحرية، وتقنين المرافعات، وتقنين تحقيق الجنايات، وقد
قام بنقلها عن القوانين الفرنسية نقلا مشوها في أغلب الحالات، وصدرت هذه
التقنينات سنة 1875 واستمر العمل بها حتى سنة 1949. وتمكن نوبار باشا بعد
جهد من إبعاد الدولة عن مصادر تشريعها الإسلامي .وصارت المحاكم المختلطة
تخضع للقوانين الغربية. فمادا عن المحاكم المصرية ؟
تغيير القوانين الشرعية المطبقة في المحاكم المصرية
لم
تسلم القوانين الشرعية المطبقة أمام المحاكم المصرية من التعديل، ففي
أواخر سنة 1880 تألفت لجنة لوضع لائحة المحاكم النظامية، وفي 17 نوفمبر
1881 وضعت لائحة لترتيب تلك المحاكم، وقام أعضاء اللجنة بوضع تقنينات لها،
ثم شبت الثورة العرابية فتوقف ذلك العمل الذي كان يهدف إلى إقصاء الشريعة،
وتدخل الإنجليز للقضاء على الثورة، وأعادت الحكومة النظر في لائحة 1881،
وأصدرتها معدلة في يونيو 1883، ثم صدر بعدها مباشرة التقنين المدني في 28
أكتوبر 1883، وصدرت بعده بفترة وجيزة التقنينات الخمسة في 13 نوفمبر 1883،
وقد صدرت جميعها باللغة الفرنسية ثم ترجمت إلى العربية .
افتتح الخديوي
توفيق المحاكم الجديدة رسميا في 31 ديسمبر1883، وعقدت المحاكم أولى
جلساتها في 1 يناير 1884، واقتصر اختصاصها الإقليمي في أول الأمر على
الوجه البحري ثم امتد سنة 1889 إلى عموم الإقليم، وبذلك أقصيت الشريعة ولم
يبقى من اختصاص المحاكم الشرعية سوى الأحوال الشخصية.
وفي سنة 1923
قامت محاولة خطيرة بمناسبة وضع الدستور المصري الأول أطلق عليها مدنية
القوانين، وطالب أصحابها بتوحيد التشريع والقضاء وجعلهما مدنيين في
الأحوال الشخصية كما هو في المعاملات المدنية
وفي سنة 1949 ألغيت
المحاكم المختلطة، ووضع معالي الوزير عبد الرزاق السنهوري باشا بمعاونة
بعض أساطين القانون الفرنسي قانونا مدنيا للمحاكم الأهلية، قيل أنه استمد
من أكثر من عشرين مدونة قانونية، ودخل في النفاذ اعتبارا من 15 اكتوبر1949
.
وفي سنة 1952 الغي الوقف الأهلي، وتبعه إلغاء المحاكم الشرعية
والملية جميعا سنة 1955، و ألغيت كافة القوانين المتعلقة بترتيبها
واختصاصاتها اعتبارا من ا يناير 1956، وألحقت دعاوى الأحوال الشخصية
والوقف بولاية القضاء العادي .
تلك مراحل إقصاء الشريعة وحلول القوانين
الوضعية محلها، ولكن ذلك لم يتم بالسهولة التي عرضت بها، إنما كان وراء
ذلك جهود مضنية ومحاولات مستميتة من الغرب، وتدبير محكم ومكر بالليل
والنهار. سنحاول عرضه باختصار عسى أن يقيض الله له من يتولى بسطه بالقدر
الذي يكفي لكشف تلك المؤامرة وسبر أغوارها.
جهود الغرب من أجل إقصاء الشريعة:
حاول
الغربيون السيطرة على ديار الإسلام، وفي كل مرة كانوا يعودون مدحورين،
وكلما كسبوا نصرا مؤقتا سرعان ما يتحول إلى هزيمة منكرة ، ولقد أدركوا من
خلال جهودهم المستميتة أن سر قوة المسلمين تكمن في شرعهم ورابطة الإسلام
التي تجمعهم، وقد صرح زعماؤهم والمفكرون فيهم بهذا في العديد من
المناسبات، ومن ذلك ما نقل عن غلادستون رئيس وزراء بريطانيا قوله:" مادام
هذا القرآن موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي
نفسها في أمان، ومن ذلك أيضا ما قاله الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى
مرور مائة عام على الاحتلال: " إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا
يقرأون القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم،
ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم ". وكذلك ما قاله لورانس براون ( لورانس
العرب ) إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار البريطاني،
وأهدافنا الرئيسة تفتيت الوحدة الإسلامية، ودحر الإمبراطورية العثمانية
وتدميرها " .
وعندما سنحت الفرصة أمام الغرب استغلوها . ففي الحرب
العالمية الثانية أثاروا العرب ضد الدولة العثمانية وأغرقوهم بالوعود
الكاذبة، وبينما كان العرب يحلمون بتكوين دولة عربية إسلامية، كانت الدول
الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وباقي دول الحلفاء ) تقسم فيما بينها تركة
الرجل المريض في الاتفاقية المعروفة باتفاقية سايكس بيكو في 16 /5/ 1916 .
أما في مؤتمر لوزان وضع رئيس الوفد الإنجليزي " كروزون " أربعة شروط
للاعتراف بتركيا بعد الهزيمة، وكان إعلان علمانية الدولة واحدا منها.
وعندما
احتجت المعارضة البريطانية في مجلس العموم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sahetna.yoo7.com
 
بحث فى تاريخ القانون (منقول)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الاسلامى المنوع ((محاضرات فرق الحقوق الاربعة بالسادات)) :: الفرق الدراسية :: الفرقة الاولى-
انتقل الى: